خِلنا وخَال كلّ العرب من الدار البيضاء إلى صنعاء أن الترجي العتيد سيكون في طريق مفروشة بالورود لإقصاء الاتحاد الاسكندري الذي لم يكن يَتخيّل حتّى في مَنامه بأنّه سيجرح كبرياء شيخ أنديتنا أمام أكثر من عشرة آلاف من الأحباء القادمين من كلّ مكان حبّا في «مَريول» الجمعية.
مُواجهة الأشقاء كانت مُعقّدة و»مُفخّخة» وانتهت بفرحة مَصرية وسط ذهول عشّاق الأزياء الذهبية وحتّى خبراء التَحاليل الفنية على رأسهم زبير بيّة الذي لم يَستوعب مثل الجميع الطّريقة «المَجنونة» التي خرج بها الترجي من البطولة العربية وهي مسابقة تُتيح لصاحبها الفرصة لإثراء خزائنه بلقب اقليمي والأهمّ أنّها تَمنح «الزّعيم» عائدات خَيالية (حوالي 16 مليارا).
المدرب جزء من المُشكل وليس كلّ المُشكل
هذه الخَيبة العَربية للتشكيلة الصّفراء والحمراء كانت مُؤلمة ومُوجعة و»مُزلزلة» لكنّها نَافعة لأنّها ستوقظ العائلة الترجية على المشاكل الحَقيقية للجمعية التي بان بالكاشف أنّها في حاجة أكيدة إلى إصلاحات عَميقة وتحسينات شاملة هذا طبعا بعد تحديد مَكمن الداء لأنّ التشخيص الصّحيح هو الجزء الأصعب في عملية البناء.
الأخطاء الفنية والتَكتيكية كانت جَسيمة لكن من الافتراء مَسح الاخفاق العربي في قميص بن يحيى لأنّه جُزء من المُشكل وليس السّبب «اليَتيم» لرحلة العَناء بدليل أنّ الصّعوبات ذاتها رافقت مَسيرات أسلافه مثل البنزرتي والسويح.
ولم يعرف الترجي طعم الاستقرار على مُستوى إطاراته التدريبية حتّى أنّ الجمعية راهنت على 6 أسماء محلية وأجنبية خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ولئن صَمد البعض لأشهر معدودة فإنّ البعض الآخر انهار بعد أيّام قليلة كما هو حال المُنذر كبيّر. ومن المؤكد أن هذا المُعطى يجعل تُهمة «الإفلاس» التي لاحقت هؤلاء محلّ شك.
مسؤولية اللاعبين
لا جدال في الأضرار الحَاصلة بفعل «الطّبخات» الفنية الرديئة و»الفَلسفات» التكتيكية الضَعيفة لكن هفوات الإطارات التدريبية لا تُشكّل في الواقع سوى جزء يَسير وعنصر صَغير من «الأزمة» النّاجمة كذلك عن تقصير «الكَوارجية» في حقّ الجمعية خاصّة في المُباريات المَصيرية والمحطّات المِفصلية كما حدث ضدّ الأهلي ومُواطنه «الاسكندراني» في المُسابقتين الافريقية والعربية.
لاعبو الترجي يَتمتّعون بالمال و»الدّلال» لكن مَردوديتهم لم تَرتق إلى المُستوى المأمول و»الأخطر» أن بعض «الرؤوس الكبيرة» والأسماء الثَقيلة «خَذلت» جماهيرها وكانت انتاجيتها ضَعيفة رغم امكاناتها العريضة كما هو شأن بن شريفية والذوادي وبقير والخنيسي والبدري الذي أًصبح «شبحا» لذلك النّجم المُتألق بعد أن أرهقته المُقابلات وبعد أن عَصره المدرب السابق للمنتخب كحبّة الليمون.
ملف الزاد البشري يفتح باب النّقاشات على مصراعيه ويُحيلنا إلى جملة من الاستفهامات منها القيمة الفنية «الحقيقية» للتشكيلة الترجية. فهل أن الترسانة الحالية من «الكَوارجية» تُعتبر حقّا الأفضل في السّاحة ولها كلّ المؤهلات اللاّزمة للعب على جميع الواجهات المحلية والدولية أم أن هذه الخِطابات «مَغلوطة»؟
من الضروري الاجابة عن هذه الاستفسارات بدقّة عالية وموضوعية كبيرة ليدرك الترجي حجم الامكانات ويحدّد على ضوئها سقف الطّموحات.
سياسة الانتدابات
الزاد البشري مُرتبط أيضا بمسائل أخرى مُهمّة مثل سياسة الانتدابات التي من المفروض أن تكون مدروسة وخالية من الارتجالات بحثا عن أكبر الضّمانات لنجاح هذه الصّفقات الهَادفة أوّلا وأخيرا إلى تحسين المردودية لا من أجل إرضاء الأحباء أو»مُجاملة» بعض الأسماء كما حصل مع «مَايكل» الذي حضر احتفالات الجمعية ببطولته العربية في الحمّامات فوجد نفسه من الغد في قائمة المُنتدبين وحصل سيناريو مُشابه مع العائد من «الأرشيف» سامح الدربالي.
ملف الانتدابات في حاجة إلى إعادة النّظر شأنه شأن التَعامل مع «الكَوارجية» على أساس الأداء لا الأسماء التي استفاد بعضها من «عطف» الفنيين والمسؤولين للحصول على «حَصانة» دائمة وهو ما يُؤثّر أحيانا في المَصلحة العامّة (بن شريفية وشمّام نموذجا).
ضَغط المائوية
يَستعدّ الترجي بكلّ فخر واعتزاز إلى الاحتفال بالمائوية وهو حدث «وطني» كبير وسَيُقيم خلاله شيخ الأندية التونسية و»زَعيمها» لكلّ الأوقات احتفالات أسطورية وذلك بغضّ النّظر عن النتائج المُسجلة في هذه السنة التاريخية.
وهذا ما لم يَستوعبه البعض مِمّن ربطوا المائوية بإسترجاع رابطة الأبطال مع المُحافظة على الزّعامة المحلية والحقيقة أنّ هذه الفكرة المغلوطة سلّطت بدورها ضغطا رهيبا على المسؤولين والفنيين واللاعبين ومن الضروري تصحيح الأمور واقناع الجمهور بأنّ الفرحة بالمائوية ستكون عَارمة وكاملة حتى وإن لم تَتمكّن الجمعية من احراز رابطة الأبطال. والحديث عن الجمهور وهو العنصر الأهمّ في مسيرة الفريق يجرّنا إلى مسألة أخرى جوهرية وهي تنقية الأجواء وتأمين حضور الأحباء في ظروف عادية خاصّة أن الجمعية عانت الأمرين بسبب «الصِّدامات» بين «المجموعات» والجهات الأمنية وما تَبعها من مُقاطعات للقاءات.
الأسباب البعيدة
بالتوازي مع كلّ المشاكل الفنية والتنظيمية والإدارية دفع شيخ الأندية ثمن بطولتنا الضّعيفة ومُنافساتها العنيفة والفوضوية والتي لا تسمح بتطوير أداء الترجي مثله مثل بقية فرسان الخضراء في المسابقات الدُولية حيث الأوجاع في الداخل والضّياع في الخارج.
ربّ ضارّة نافعة
الترجي خسر تَاجه العربي لكن هذه الصّفعة قد تكون هدية من السّماء لمراجعة الحسابات وإجراء الإصلاحات على أسس سليمة ومن يريد البناء عاليا عليه أن يحفر عميقا.